الجحود والاستيقان

 

" الجحود والاستيقان " 

بقلم: فاطمة المصري

 

قال تعالى: "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ". الآية ١٤ من سورة النمل

الجحود هو إنكارٌ الحقِّ مع العلمِ به، وهو دالٌّ على انقطاعٍ وإقلالٍ في الخير؛ على سبيل المثال؛ البخل، أو انقطاع الغيث، أو جفاف الأرض، أو توقف نمو النبات، أو ضيق في العيش وضنكه.

" جحود النعمة؛ إنكارُها وعدمُ شكرِها، وتغييبُ استشعارِ الامتنانِ بفضلها".

والآية الكريمة تقرُّ بفسادِ الجحودِ، وعِظَمِ عاقبته كما حدث لفرعون؛ جحد بآيات الله التسع فكانت عاقبته الغرق.

تكمن خطورة الجحود في أَنَّه؛ تكذيبٌ بالحقيقةِ الواقعةِ الدالة على النتائج؛ فهو النكرانُ بالرغم من العلمِ المؤكدِ بحقيقةِ الأمور، وصدقِ المشاهدات المرئيةِ، والمحسوساتِ العقليةِ الواضحةِ التي تؤدي إلى محصلاتٍ حتمية. فإذا كان الاستيقانُ مُحقَّقًا، والتأكدُ حاصلاً، فما الذي يُعمي القلوبَ عن اتباع الصواب، ويُبعدُها عن الرشد ؟

نجد الإجابة في إيقاظ الكثير من هبات الذات، و جودة النفس، وتفعيل ممارستها لتحدث التّبصرة، واليقظة في معرفة الصالح العام من اتباع الهدي المبين في كل أمور حياتنا وليست الروحانية فقط.

نوقظُ استجابةَ النّفسِ لاستيقان الحق؛ فاليقين هو إيمانٌ، وثقةٌ، وتأكدٌ، واستعانةٌ بتأمّلٍ ونفاذِ بصيرةٍ بالرجوع إلى المبادئِ الأخلاقيةِ للتوصلِ إلى قراراتٍ صائبةٍ تبنى على الفهمِ الواضح، والوعيِ العميقِ لما يَحدُثُ بتفكيرٍ دقيق، ونظرٍ ثاقب، واعتبارٍ لكلِّ المعايير التي تضمنُ تحقيقَ العدالةِ التي تبعدنا عن الحكمِ الخاطئ، أو الخضوعِ لحكمِ الآخرين، وفهمِهم الخاص للأمورِ بما لا يتناسب مع مبادئِنا. نبتعدُ عن الاستعجالِ في القرارات، ونوظِّف الحكمةَ في التمييزِ بين الحقيقي والزائف. نفتح ُأنفسنا على كلِّ مصادرِ الإلهام التي تقودُنا إلى إدراكِ المعرفةِ الحقيقيةِ، وإتمامِ اليقظةِ في الفكر. نتمثلُ بالأمانةِ التي تدفعنا إلى تحرّي الصدق، والنظرِ إلى الأمورِ بعينِ الصوابِ من غيرِ تشويش، أو مبالغة. نبتعدُ عن الغشِّ والمواربةِ في الحكم، ونبعدُ أنفسَنا عن الشّكوكِ والأوهام، أو الوقوع في الضلال. نتجنبُ لفتِ الأنظار، أو اتباعِ مناهجِ الآخرين، أو الاستماعِ إلى قرعِ طبولهم. نتمتع بخفضِ الجناحِ الذي يعينُ على رؤيةِ الأخطاء، والابتعادِ عنها حتى لو كان اقترافُها هو الأسهلُ على النفس؛ فالفضيلةُ في الاعترافِ بالخطأ، و تحقيق الرضى لا يأتي إلا بالإنصاف، والصدق مع النفس. ثم تأتي الشجاعةُ التي تحوّلُ الخوفَ من اتّباعِ الحقِّ بعد تحرِّيه إلى إقبالٍ بجرأةٍ وعزم. نتَّخذُ الحسمَ في المواقف دونَ تردد. نستعينُ بقوةِ أنفسِنا على السير بثباتٍ دون رجوعٍ  على طريق الحقيقةِ العادلة ِمهما واجهتنا صعوبات. نعلمُ أنَّ  النفسَ الحرةَ هي التي تجعلُ الرأيَ في المحلِّ الأول، والشجاعةَ في المكان الثاني، وتنتصرُ على ذاتِها قبلَ أنْ تنتصرَ على غيرها، وأنَّ الإيمانَ هو قوة ُإصرارٍ على تحقيقِ يقينِ العقيدةِ والمبادئِ العليا. فلنكنْ أئمةً لأنفسنِا نُعلِّمُها، ونؤدّبها بالحكمةِ، والمعرفةِ، التي تخرجنا من ظلمةِ الجحودِ، وتسير بنا على دروبِ النّورِ، نجلب البركة، والخير، والفتح، و الوفرة، والمعروف في كل الأمور.

 

 

 " اللهم اجعل في قلوبنا نورا، و في ألسنتنا نورا، و في أبصارنا نورا، و في أسماعنا نورا، أجعل في أنفسنا نورا".