وليال عشر

 "وليال عشر"

بقلم: فاطمة المصري

من جمال الحياة، أنّ اللهَ يبعثُ في طريقك ما يوقظك بين الحين والآخر، أنت الذي ظننت لوقتٍ طويل أنّك مستيقظ".  ابن الرّومي

في هذه الليالي ندعو أنفسنا إلى التفكر في أسرارها، وحكمتها، ودلالاتها، ولماذا أقسم الله بها، وما الذي يريده الله لذوي الألباب؟ هذه الليالي نفحةٌ من نفحاته، وبعضٌ من رحماته، ونصيبٌ من هباته يجود بها على عباده. عندما يقسم الله بشيء فذلك تنبيه:" قسم لذي حجر"، وتوجيه لتعظيم ليلها ونهارها أولا، ثم توقير جواب القسم أنه:" بالمرصاد "لكل من يجحد بأنعم الله ويفسد ويطغى! بعد أن نوظف الفهم العميق لهذه الآيات؛ نتوصل بإيقاظ الحدس الفطري أنّ الليال العشر هي أيام مراجعة، وتأمّل لكل منّا: هل أريد أن أقدّم لحياتي؟ أم أريد أن أتحسّر: " يا ليتني قدمت لحياتي"؟ وكيف أجعل نفسي مطمئنة فينادى عليها:" يا أيتها النفس المطمئنّة"! وكيف أرضي نفسي لتعود إلى ربّها " راضية مرضية"، وتفخر بأن تنال الرتب العليا مع الزمرة الخاصّة الذين يعزهم الله بوسام الاستحقاق الأسمى المعزز بالنسبة لوجهه الكريم؛ وسام:" عبادي"، ويزيدها تكريما بأن يستقبلها هو العظيم ويقول لها:" أدخلي في عبادي"! ويكرمها بنيل شرف المقام الأعلى:" أدخلي جنتي"؟

إذن هي توظيف للبصيرة، وتنوير، بحث عن إجابة السؤال الحقيقي: كيف أنال وسام الاستحقاق الأعلى" عبادي" وأجعل الطمأنينة والرضي حال روحي؟ هذه التبصرة ترشدنا إلى حقيقة سر الوجود الذي يكمن في الحياة الفاضلة التي يتحقق فيها الإحسان والحب والعدل والصلاح، وذلك لا يتأتى إلّا بتجسيد الفضيلة الإلهية التي أنعم الله بها علينا، وإحياء أفضل صفات الإنسانية، والتّمثّل بأجود صفات نعين بها النفس على الخير ونبعدها عن الشر. نجتهد دوما في الالتزام الراسخ بتعظيم اسم الله "الأكبر" ليس فقط ذكرا على اللسان؛ بل ترسيخ الاعتقاد به؛ نجعله الأكبر والأول، والأولى بالاهتمام، والأجدر بالاعتبار. نعيش بالإيمان والثقة التامة بأنه ولي الأمر والتدبير، نسلم أنفسنا، ونوجه قلوبنا، ونفوض أمورنا فقط إليه، نعلم أنه لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه. نتقبل ما يأتي لنا ونحيا بيقظة وتأمل دائم لأفعالنا وكلامنا. نثري حضورنا بالسلام، نحسن، نعمل صالحا، ونرحم، نعفو، ونجعل أرواحنا في حال دائمة من الصلة بالله، ونوقظ الشكر الذي يشعرنا بوفرة نعمه علينا، ومواطن جوده وعطاءه، نحقق أسرار معاني:" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".