"السعادة"
بقلم: فاطمة المصري

السعادة غاية بشرية، تكاد تكون من أكثر الغايات الإنسانية ابتغاء؛ جميعنا يبحث عن السعادة، فهي ما ننشدها ونقيّم جودة حياتنا على قدرها.
يتساءل كل منّا أين تكمن السعادة؟ وهل هي إحساس آنيّ؟ أم هو شعور دائم؟ هل نكتفي بقدر منها أم دوما نبتغي المزيد؟ هل هي زائفة أم حقيقية؟
هي شعور عميق يغمرنا بالبهجة، والفرح، والسلام في كلّ الأوقات. نلبس ثوب الإيجابية، ونتفاءل أملا بما هو قادم، نتحلى بالإيمان الذي يمنحنا الثقة بأن الخير فيما يحدث دائما وأنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، نتقبّل ما يأتي، ونرضى بما تهبنا به الحياة.
إذا بحثت عن السعادة في المال، فابحث في صفحات الحياة كم من صاحب مال مبتلى بالخوف، والقلق، والأمراض! وإذا كنت تبحث عنها في الجاه، فستحدثك الأيام أن دوام الحال من المحال، وأن من بات يجلس على كرسيّه، أصبح يجلس عليه غيره!
ولستُ أرى السّعادةَ جمعَ مال ولكنّ التَّقيَّ هو السعيد
وتقوى اللهٍ خيرُ الزادِ ذخرا وعند الله للأتْقى مزيدُ
كثيرة هي شهواتنا وملذاتنا؛ ملذات جسدية أو نفسية، زينة، تفاخر بالأموال والأولاد والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ملذات اجتماعية، وعلاقات واسعة قوية، تحصيل أكاديمي مرموق، جاه منشود، إشباع كل تلك الملذات حتما يسعدنا، لكنها متغيرة، و التمتع بها قد يكون آني أو زائل، أما السعادة الحقيقية الحتمية الثابتة فهي لا تكون إلا مع الأخذ بأسبابها؛ تجدها في قلب يملأه حب الله، واليقين بمعيته، والفرح بالرضى بما يقضي، والمبادرة بعمل الصالحات، و رفع الظلم عن المظلومين ، و مناصرة الضعيف، وعمل المعروف، واستباق الخيرات، و الإحسان و البر، و الكلمة الطيبة، و العفو عن الإساءة، و مصاحبة الأخيار، والإكثار من ذكر الله، و تطهير الصدر من الأغلال، و عدم تعلق القلب بالدنيا، وهذا هو تمام الفضل: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون". يونس 58
يقول بن القيم:
"في القلب فراغ لا يملأه إلا الله، وفيه شعث لا يلمّه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه، وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا".
أن العمر قصير والأجل قريب لا نعلم إذا رفعنا اللقمة إلى أفواهنا أنتمكن من أكلها أم لا؟ وإذا أخرجنا الأنفاس أترجع لنا أم لا؟ لذلك علينا أن نبتهج وألا نهدر العمر في الكدر والنكد والشقاء والغم، وأن نوقظ البهجة والفرح في حياتنا بممارسات يومية، فالوقت يجري والعمر يمضي، فكم من هم ّ أثقل قلوبنا لكنه زال، وخفّ وجعه مع الوقت، وكم من فرحة طارت بها قلوبنا لكنها سرعان ما ولّت وبقيت ذكراها.
لنغذّي السعادة في حياتنا، بالبسمة والدعابة والفكاهة والمزاح، والملاطفة؛ باعتدال من غير مفسدة ولا مبالغة ولا إيذاء. ولنتفاءل ونرقب أرواحنا بالأمل، ونعيش اللحظة الجميلة بشكر وامتنان لمتعة تمنها علينا، ولنصبر على صعوبات الحياة ونفوّض الأمر لله ونتوكل عليه.
أن التطبّع يورث الطبع، وأنّ التبسم، والتظاهر بالانبساط، والابتهاج يجلب الفرح.
كما فال أحمد قنديل: "انهض تقافز على الأرض، تخيّل أنّك طائر صغير يتعلم الطيران، المهم أن تدع البهجة تتسلل إلى داخلك".